الرؤية/هيئة التحرير
التهراوي.. وزير الصحة والحماية الاجتماعية الذي واجه الحقيقة في زمن الاحتجاج
الرؤية – بقلم: عابدين الميموني
في لحظة مفصلية من التاريخ الاجتماعي المغربي، ومع تصاعد حدة الغضب الشعبي بقيادة جيل Z، ظهر اسم وزير الصحة والحماية الاجتماعية، الدكتور التهراوي، كأحد أبرز الوجوه الحكومية التي اختارت مواجهة الواقع بدل التهرب منه.
وبخلاف ما درج عليه الخطاب الرسمي من تبرير أو إنكار، اختار الوزير نهجًا مغايرًا، مبنيًا على الصراحة، الهدوء، والواقعية، جاعلًا من الشفافية شعارًا في زمن الأزمات.
اعتراف غير مسبوق في مشهد سياسي مأزوم
في سابقة نادرة، وقف الوزير التهراوي تحت قبة البرلمان، وفي خرجات إعلامية متلفزة، ليقرّ بوجود فساد إداري واختلالات عميقة تعصف بالمستشفيات العمومية. لم يخفِ حجم الأزمة، ولم يسعَ لتجميل الصورة، بل أكد أن الوضع لا يرقى إلى تطلعات المغاربة، ولا يليق بوطن يضع العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ضمن أولوياته الدستورية.
هذا الاعتراف، وإن شكّل صدمة لدى بعض المتابعين، إلا أنه اعتُبر لحظة شجاعة تعكس إرادة سياسية حقيقية لفتح صفحة جديدة في تدبير القطاع الصحي، الذي ظل لعقود الحلقة الأضعف ضمن السياسات العمومية الوطنية.
هدوء في وجه العاصفة
إلى جانب صراحته اللافتة، أبان الوزير التهراوي عن اتزان كبير في تعامله مع موجة الاحتجاجات التي شهدتها مدن عدة، حيث خرج آلاف الشباب للتنديد بتردي الخدمات الصحية، ونقص التجهيزات، وغياب العدالة المجالية في الولوج إلى العلاج.
ورغم حدة الخطاب الاحتجاجي، لم ينزلق الوزير إلى لغة التهديد أو التقليل من شأن المطالب، بل أقرّ بشرعية الأصوات الغاضبة، مؤكدًا أن صوت الشارع يعكس واقعًا يعيشه من داخل الوزارة.
خطة إصلاحية شاملة… بين الطموح ومقاومة الواقع
ردًا على الاتهامات الموجهة لقطاع الصحة، كشف الوزير التهراوي عن إطلاق خطة إصلاحية شاملة تستند إلى أربعة محاور رئيسية:
1. محاربة الفساد الإداري وتعزيز الحكامة والشفافية؛
2. تقوية البنية التحتية وتأهيل المستشفيات العمومية؛
3. تحفيز الموارد البشرية الصحية من أطباء وممرضين، وتحسين ظروف عملهم؛
4. إصلاح منظومة التغطية الصحية لضمان الإنصاف والعدالة في الولوج إلى العلاج.
غير أن هذه الخطة، وإن كانت طموحة على الورق، إلا أنها تصطدم بتحديات حقيقية، أبرزها مقاومة الإصلاح من داخل المنظومة، نفوذ لوبيات المصالح، وضيق هامش التمويل، إضافة إلى الحاجة إلى استمرارية سياسية تضمن تطبيق الإصلاحات على المدى المتوسط والبعيد.
ثقة الشارع… اختبار لا يُغتفر
يحظى الوزير التهراوي اليوم بثقة شريحة واسعة من الرأي العام، خاصة في صفوف الشباب، لما أبداه من وضوح وشجاعة في طرح المشاكل. غير أن هذه الثقة تبقى رهينة بقدرته على تحويل الأقوال إلى أفعال، وترجمة الالتزامات إلى تغييرات ملموسة يشعر بها المواطن في أقسام المستعجلات، والقرى النائية، والمراكز الصحية المهمشة.
فالمغاربة لم يعودوا يقنعون بالخطابات الجذابة، بل ينتظرون أثرها المباشر على حياتهم اليومية، وعلى كرامتهم داخل المؤسسات الصحية.
ختامًا… حين يصبح الصدق موقفًا
في سياق عام مطبوع بأزمة ثقة بين الشارع والمؤسسات، برز الوزير التهراوي كصوت هادئ وعقلاني، يواجه الحقيقة بشجاعة، ولا يختبئ خلف المبررات.
فهل ينجح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المنظومة الصحية؟
أم أن العراقيل البنيوية ستقوّض جهوده وتُفرغ الوعود من مضمونها؟
الأسابيع والشهور القادمة كفيلة بالإجابة، لكن ما لا شك فيه هو أن الصدق والشجاعة في الاعتراف بالأزمة باتا عملة نادرة في الحقل السياسي المغربي… والوزير التهراوي امتلكهما في اللحظة التي كان الوطن أحوج ما يكون إليهما





