الرؤية/ آسية أباحازم
في فجر اليوم الاثنين، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي خيمة للصحفيين بالقرب من مجمع ناصر الطبي في خان يونس. لم تكد تمر أيام على المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة، حتى سطر هذا الهجوم صفحة جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الصحفيين الذين حملوا قمرتهم ليكونوا عين العالم على ماما يحدث في قطاع غزة.
وقد أسفرت الغارات عن استشهاد الصحفي حلمي الفقعاوي والشاب يوسف الخزندار، فيما جرح العديد من الصحفيين بينهم حسن إصليح، أحمد الأغا، محمد فايق، عبد الله العطار، إيهاب البرديني، محمود عوض، ماجد قديح، علي إصليح، وأحمد منصور.
وما زالت صور تلك اللحظات المروّعة تطارد أعين من رأوا فيها تفحم الاجساد الحية. في مقاطع انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي توثق اللحظة المشؤومة التي أُحرِقَ فيها الصحفي أحمد منصور، حتى أضحى جسده المشتعل بمثابة الشاهد الحيّ على جريمة مكتملة الأركان.
الصحفي أنس الشريف، وهو من شهد تلك الحادثة، مضيفاً شهادة لا تكاد تعبر عن هول الواقعة، لقوله ان منصور كان يعيل أسرة، ويعاني الآن من إصابات خطيرة رغم جهود الأطباء المستميتة. أما حلمي الفقعاوي، فقد أُحرِقَ جسده أمام العالم أجمع في مشهد التهمت النار الجسد و ضمير العالم إلا الاحرار.
وفي هذا السياق، تحدث العديد من المدونين وأبناء غزة عن جريمة الاحتلال التي استهدفت الصحفيين بدم بارد. وقالوا في تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي: “إنهم لا يريدون للصحافة أن توثق جرائمهم، فما كان لهم إلا استهداف الصحفيين وتحريقهم أمام العالم بأسره، والعالم الذي ظل صامتًا، ولم يتحرك كعادته أمام هذه الفظائع”.
ووسط هذا الظلم اللامتناهي، جاء صوت أحدهم لينشد الحقيقة، قائلاً: “في خيمة الصحافة استُشهد الصحفي حلمي الفقعاوي، لم يكن يحمل سلاحًا، بل كاميرا. لم يكن يطلق رصاصًا، بل كان ينقل حقيقةً يشهدها القاصي والداني. أين هي حرية الصحافة؟ أكذوبة تُقال في المؤتمرات وتُقتل في الميدان! وأين هي قدسية المستشفيات؟ مجرد شعار فارغ يُرفع على لافتة أممية لا قيمة لها! بينما العالم، كما لو أنه شريك في الجريمة، يبقى صامتًا، أصمّ، وأعمى”.
كما نشر صحفيون من غزة صورة للزميل أحمد منصور وهو يرقد في المستشفى، مغطىً بالشاش الأبيض، وقد التهمت النيران جسده ووجهه، وكأنها أرادت أن تترك بصمتها عليه، شاهدة على وحشية الاحتلال وعجز المجتمع الدولي.
أي لغة يمكن أن تصف هذا الفعل؟ وأي ضمير لا ينكسر أمام هذه الفاجعة؟ فإن كانت النيران قد أحرقت أجسادهم، فإن الحقيقة التي حملوها، والمواقف التي وثقوها، ستظل مشتعلة في قلوب كل من يعي معنى الإنسانية و اليقين بنصرة الحق. (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) -سورة غافر: 51-.