الرؤية/ليلى ابكير
السيدة الحرة من أبرز الشخصيات النسائية في تاريخ المغرب و المغاربي حيث تميزت بدور قيادي فاعل في مقاومة الاحتلال البرتغالي، وصياغة مصير بلادها في فترة عصيبة من تاريخ المنطقة. وُلدت السيدة الحرة في منتصف القرن الخامس عشر، وتمكنت من أن تصبح واحدة من النساء القلائل اللواتي نقش التاريخ المغاربي أسماءهن بأحرف من ذهب بفضل شجاعتها وحكمتها في قيادة الجهاد البحري والدفاع عن الثغور المغربية ضد الغزاة الصليبيين.
وُلدت السيدة الحرة في أسرة مغربية عريقة، فهي ابنة الأمير علي بن موسى بن رشيد، مؤسس مدينة شفشاون. والدتها كاترينا فيرنانديز، مسيحية إسبانية أسلمت وأصبحت تُعرف باسم “للا زهرة”. نشأت السيدة الحرة في بيئة تجمع بين الأصالة المغربية والأندلسية، حيث تلقت تعليماً دينياً رفيعاً على يد أشهر العلماء ورجال الدين في ذلك العصر، مما صقل شخصيتها وأعدها لتكون قائدة وفاعلة في سياق تاريخي مضطرب.
تُعتبر السيدة الحرة واحدة من أولى النساء اللاتي حملن همّ الدفاع عن الأوطان، فقد نمت شخصيتها القيادية في ظل تفكك الدولة الوطاسية وصراعاتها الداخلية مع السعديين الذين كانوا يهددون استقرار المملكة المغربية من الجنوب، بالإضافة إلى التهديدات المتزايدة من البرتغاليين في الشمال.
وفي سن مبكرة، كانت السيدة الحرة قد تحلت بقدرة غير عادية على إدارة شؤون الحكم واتخاذ القرارات الاستراتيجية. تزوجت في عام 1510 من الأمير علي المنظري، قائد مدينة تطوان، وهي خطوة ساعدت في تقوية العلاقات بين إمارة شفشاون وإمارة تطوان وتعزيز جبهة المقاومة ضد الاستعمار البرتغالي. كان هذا الزواج بمثابة تحالف سياسي سعى إلى مواجهة التهديدات المتزايدة من القوى الاستعمارية.
بعد وفاة زوجها في عام 1519، تولت السيدة الحرة زمام الأمور في تطوان، حيث برزت قدرتها على إدارة المدينة بحنكة وكفاءة، وأصبحت حاكمة لمدينة تطوان في فترة حرجة من تاريخها. سعت إلى الحفاظ على استقرار المدينة من خلال دبلوماسية حاذقة وإدارة اقتصادية رشيدة. وفي وقت لاحق، تزوجت من السلطان أحمد الوطاسي في عام 1541 في زواج سياسي هادف إلى تعزيز التحالفات الداخلية والخارجية.
من أبرز ملامح حياة السيدة الحرة تحالفها مع القائد العثماني خير الدين بارباروس، الذي كان يقود الأساطيل البحرية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط. هذا التحالف كان بمثابة خطوة استراتيجية جمعت بين مصالح المغرب والعثمانيين في مواجهة التهديدات الصليبية. فبينما كانت السفن العثمانية تسيطر على القسم الشرقي من المتوسط، تولت السيدة الحرة قيادة الجهاد البحري في غرب البحر الأبيض المتوسط، ما جعلها تعرف بلقب “البرباروسة التطوانية” بين الإسبان.
رغم النجاحات التي حققتها السيدة الحرة في مقاومة الاحتلال البرتغالي وتعزيز استقلالية تطوان، تعرضت للخيانة من أقرب الناس إليها. ففي عام 1542، وقعت عائلة المنظري في فخ الانقلاب عندما قاد محمد الحسن المنظري انقلاباً ضد السيدة الحرة. بعد أن طردتها من المدينة واستولى على ممتلكاتها، هربت السيدة الحرة إلى شفشاون حيث لجأت إلى أخيها، محمد بن راشد، الذي كان قد تولى حكم المدينة.
لم يكن هذا الهجوم نهاية قوتها، فقد أسست في شفشاون رباطًا صوفيًا ومركزًا للجهاد، وواصلت نشاطها المقاوم ضد التوغلات الصليبية. لكنها توفيت في عام 1562، لتُدفن في الزاوية الريسونية بمدينة شفشاون، تاركة إرثًا كبيرًا من المقاومة والنضال.
كانت السيدة الحرة أكثر من مجرد حاكمة أو امرأة في منصب سياسي؛ كانت رمزًا من رموز القوة النسائية في التاريخ المغاربي. رغم أنها لم تحظَ بتقدير عادل في الكثير من المصادر التاريخية، إلا أن إرثها لا يزال يتحدث عن شجاعتها وحنكتها. لقد كانت امرأة جسدت مقاومة الاحتلال والاستعمار بكل تفاصيلها، وكرّست حياتها للدفاع عن وطنها وأمتها.
تُعد السيدة الحرة مثالًا حقيقيًا على قدرة المرأة العربية والإسلامية على قيادة المعارك والتصدي للغزاة، وهي نموذج يُحتذى به في قوة الإرادة وصلابة العزيمة.





