كارين هورني: فهم القلق الأساسي والصراع الداخلي من منظور نسوي

هيئة التحرير7 مارس 2025Last Update :
كارين هورني: فهم القلق الأساسي والصراع الداخلي من منظور نسوي

الرؤية/ليلى ابكير

 

 

 

كارين هورني، إحدى أعظم الشخصيات النسائية التي أثرت في تطور علم النفس الحديث، ولدت في عام 1885 في هامبورغ، ألمانيا، لتكسر القيود الاجتماعية والتوقعات التقليدية التي فرضت عليها كامرأة في تلك الحقبة. في وقت كانت فيه فرص التعليم والعمل محدودة للنساء، قررت هورني أن تكون مختلفة. قررت أن تدرس الطب، وهو خيار نادر بالنسبة للنساء في ذلك الوقت، رغم معارضة والدها الشديدة. ومن هنا بدأت رحلتها الفريدة في اكتشاف الذات والمساهمة في إحداث تغيير جذري في علم النفس.

مضت هورني في مسيرتها الأكاديمية لتصبح واحدة من رواد التحليل النفسي. التحقت بمدرسة الطب في برلين، وفي وقت لاحق أصبحت جزءًا من جمعية برلين للتحليل النفسي. على الرغم من أن تعلمها التحليل النفسي كان تحت تأثير أفكار سيغموند فرويد، إلا أنها سرعان ما اكتشفت حدود تلك الأفكار، خاصة فيما يتعلق بنظرياته حول “عقدة أوديب” وتقسيم العقل إلى “هو” و “أنا” و “أنا الأعلى”. إذ وجدت أن فرويد أهمل بشكل كبير تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية في تشكيل الشخصية، وهو ما لم يتناسب مع واقع الحياة في مجتمعات ما بعد الحرب العالمية الأولى، خاصة في ظل معاناة الناس في فترة الكساد الكبير.

من خلال تجربتها العملية مع المرضى في نيويورك، لاحظت هورني أن القلق الذي يعاني منه الأفراد ليس بالضرورة نتيجة لمشاكل بيولوجية أو نفسية فطرية، بل هو مرتبط بشكل أساسي بالظروف الاجتماعية والاقتصادية. وبالتالي، أكدت هورني أن الأزمات النفسية هي استجابة للضغوط الخارجية والبيئية، وليست مجرد صراعات داخلية غير مرئية. وهذا الموقف ساعدها في تطوير مفهوم “القلق الأساسي” كعاطفة أساسية تنشأ من شعور الفرد بالعجز والعزلة في عالم مليء بالتهديدات.

كرائدة نسائية في هذا المجال، قادت هورني الثورة الفكرية التي أشارت إلى أن المشكلات النفسية يمكن أن تكون ناتجة عن ظروف اجتماعية وتجربة الإنسان في المجتمع، وليس فقط عن عيوب أو صراعات داخلية. عملت هورني على إضاءة الطريق للعديد من النساء في المجال العلمي ليتبنوا نهجًا تحليليًا يراعي السياق الاجتماعي والثقافي أكثر من التركيز على القيم البيولوجية.

ولم تقتصر إسهامات هورني على مجال العلاج النفسي فحسب، بل امتدت إلى محاربة المفاهيم السائدة التي كانت تضع النساء في مكان ثانوي في العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك الحياة الأكاديمية والمهنية. فهي التي بينت أن النساء يعانين من مشاكل وصراعات مختلفة عن تلك التي يعاني منها الرجال، وأن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل تلك الصراعات النفسية.

فمن خلال أفكارها، قدمت هورني نموذجًا نسويًا قويًا في علم النفس، وأثبتت أن النظرية النفسية يجب أن تأخذ في اعتبارها الظروف الاجتماعية والثقافية التي يمر بها الأفراد. وإذا كانت مساهماتها في تحليل النفس البشرية قد شكّلت تأثيرًا كبيرًا على تطور علم النفس، فإن نضالها الشخصي وتجاوزها للعوائق الاجتماعية والنسائية في مسيرتها العملية كان درسًا في الشجاعة والمثابرة، وهو ما جعل من سيرتها مصدر إلهام للعديد من الأجيال القادمة من النساء في مجال العلوم والطب النفسي.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.