الرؤية /مريم عتام.
كشفت دراسة حديثة أجراها الوسيط المالي الفرنسي “هيلو سايف” (HelloSafe) عن أرقام مثيرة للقلق بشأن انتشار العملات المشفرة في المغرب، مما زاد من الضغوط للإسراع بإقرار التشريعات المنظمة لهذا المجال. وأوضحت الدراسة أن عدد المغاربة الذين يمتلكون عملات مشفرة بلغ 6 ملايين شخص مع نهاية العام الماضي، أي ما يمثل 16% من إجمالي السكان، مسجلًا زيادة ملحوظة بنحو 2.5 مليون شخص بين عامي 2019 و2024، أي ارتفاعًا بنسبة 60% خلال خمس سنوات.
ورغم أن تداول هذه العملات لا يزال خارج الإطار القانوني في المملكة، إلا أن انتشارها يهدد استقرار الاقتصاد الوطني، حيث يؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة ويزيد من مخاطر تبييض الأموال، فضلًا عن التأثير على استقرار الدرهم المغربي. وأشارت الدراسة إلى أن العملات المشفرة تُستخدم بشكل رئيسي في المعاملات التجارية، والتداول، والتحويلات المالية الدولية، نظرًا لانخفاض تكلفتها مقارنة بالطرق التقليدية. كما أن هذا التوجه ينسجم مع النمو المتزايد لاستخدام العملات الرقمية على المستوى العالمي، لا سيما في إفريقيا، حيث بلغ عدد حائزي هذه العملات 104.8 مليون شخص العام الماضي، بزيادة بلغت 68%.
إطار قانوني جديد قيد المناقشة
رغم الحظر الذي فرضه بنك المغرب منذ عام 2017 على استخدام العملات المشفرة، فإن السوق غير الرسمية شهدت توسعًا ملحوظًا. وفي آخر اجتماع للمجلس الإداري للبنك المركزي في ديسمبر الماضي، أعلن والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن مشروع القانون الخاص بتنظيم العملات الرقمية أصبح جاهزًا، وأن العمل جارٍ على إعداد نصوصه التطبيقية قبل طرحه للنقاش.
تحديات استنزاف العملة الصعبة
لا يزال المغرب من أكثر الدول حذرًا في التعامل مع العملات الرقمية، إذ تم فرض قيود صارمة على استخدامها منذ 2017، بهدف الحد من المخاطر المالية المرتبطة بها. ومع ذلك، لم يمنع هذا التشديد من انتشار السوق الموازية، خاصة بين الشباب والمستثمرين في التجارة الإلكترونية، الذين يعتمدون على العملات المشفرة في تحويل الأموال إلى الخارج أو شراء أصول رقمية في دول مختلفة، مما يفاقم الضغط على احتياطات المغرب من العملة الصعبة، التي بلغت 367.5 مليار درهم مع نهاية العام الماضي.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي خليل مسعودي أن استمرار استخدام العملات المشفرة دون تنظيم واضح يشكل خطرًا متزايدًا على الاستقرار المالي للمملكة، مؤكدًا أن “تقنين العملات الرقمية بات ضرورة ملحة لتحقيق التوازن بين دعم الابتكار التكنولوجي وحماية الاقتصاد الوطني”.
مخاطر تبييض الأموال والتعاملات غير المشروعة
تولي السلطات المغربية اهتمامًا خاصًا بمراقبة المعاملات التي تتم باستخدام العملات المشفرة، حيث أنشأ مكتب الصرف لجنة داخلية لمتابعة هذا الملف، بالتنسيق مع مؤسسات مالية ورقابية أخرى، مثل بنك المغرب وإدارة الجمارك والهيئة المغربية لسوق الرساميل. وتعمل هذه اللجنة على تتبع أي معاملات مشبوهة تتعلق بتحويل الأموال عبر العملات الرقمية، في ظل غياب ترخيص رسمي لاستخدامها في البلاد.
وفي هذا الإطار، أكد الخبير في الهندسة المالية، عبد العزيز مراحي، أن العملات المشفرة تُستخدم أحيانًا في عمليات غير مشروعة، مثل تبييض الأموال وتمويل الأنشطة الإجرامية، بسبب طبيعتها اللامركزية وصعوبة تتبعها. وأضاف أن “المرحلة القادمة ستشهد تعزيز التعاون بين المغرب والمنظمات الدولية لمكافحة تبييض الأموال، من خلال استخدام تقنيات متطورة، مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين، لتعزيز الرقابة وتحليل البيانات المالية بشكل أكثر دقة”.
ورغم أن العملات المشفرة توفر فرصًا كبيرة للابتكار في المجال المالي، فإن استخدامها غير المنظم قد يهدد الاستقرار الاقتصادي للمملكة، مما يستدعي اتخاذ مزيد من الإجراءات الرقابية وزيادة الوعي بمخاطر هذه التقنية بين الأفراد والشركات على حد سواء.





