الرؤية/ليلى ابكير
في واحدة من أكثر العمليات إثارة للجدل، هزّ شاب مغربي يُدعى عبد العزيز قاضي، البالغ من العمر 29 عامًا، مدينة تل أبيب عندما نفذ عملية طعن أصابت أربعة إسرائيليين، بينهم جندي سابق. الحادثة، التي وصفتها الصحافة الإسرائيلية بأنها من تنفيذ “ذئب منفرد”، أثارت تساؤلات عميقة حول مسار هذا الشاب الذي انطلق من أعماق الفقر في زاكورة، جنوب شرق المغرب، إلى قلب الصراعات في الشرق الأوسط.
وُلد عبد العزيز قاضي عام 1995 في زاكورة، منطقة تعاني من التهميش وظروف اقتصادية صعبة. كبُر عبد العزيز وسط بيئة قاحلة تسودها البطالة وضعف الفرص، ومع ذلك، حمل حلم الهجرة لتحسين ظروفه والبحث عن مستقبل أفضل.
في عام 2022، جاءت نقطة التحول الكبرى عندما فاز عبد العزيز ببرنامج تأشيرات التنوع الأمريكي، ما أتاح له فرصة الهجرة إلى الولايات المتحدة. هناك، بدأ حياة جديدة وسعى للاندماج في المجتمع الأمريكي. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح نشطًا في تقديم نصائح للشباب المغاربة حول كيفية التقديم على برنامج الهجرة.
رغم بداياته الواعدة في أمريكا، يبدو أن عبد العزيز حمل داخله قضية أكبر من مجرد تحسين ظروفه الشخصية. في 18 يناير 2025، غادر عبد العزيز الولايات المتحدة، متوجهًا إلى إسرائيل عبر مطار بن غوريون، حيث وصل قادمًا من بولندا.
رغم الشكوك التي أُثيرت حوله عند وصوله، قرر جهاز الأمن الإسرائيلي “الشاباك” السماح له بالدخول. كان من المفترض أن يبقى في إسرائيل أربعة أيام فقط، لكن اليوم الثالث شهد تنفيذ العملية التي أوقعت أربعة جرحى في شارع مزدحم بتل أبيب.
بدأ عبد العزيز عمليته في شارع “نحلات بنيامين”، حيث أصاب شابين بجروح طفيفة، قبل أن يتوجه إلى شارع آخر ليصيب شخصين آخرين. استخدم عبد العزيز دراجة نارية للتنقل بين مواقع الطعن، مما أضاف عنصر المفاجأة إلى العملية.
تُظهر منشوراته الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تضامنًا واضحًا مع الشعب الفلسطيني وإدانة شديدة للعدوان الإسرائيلي على غزة. وقد وصفت حركتا حماس والجهاد الإسلامي العملية بأنها “رد طبيعي” على الانتهاكات الإسرائيلية.
العملية أثارت حالة من الاستنفار داخل إسرائيل، وفتحت السلطات تحقيقًا حول كيفية دخول عبد العزيز إلى البلاد رغم التحذيرات الأمنية. وزير الداخلية الإسرائيلي وصف الحادثة بأنها “فشل أمني كبير”، منتقدًا جهاز الشاباك الذي برر موقفه بعدم وجود معلومات كافية لاتخاذ قرار بمنعه.
تثير قصة عبد العزيز قاضي تساؤلات عدة: كيف لشاب قادم من منطقة مهمشة بالمغرب، عاش تجربة الهجرة إلى الولايات المتحدة، أن يجد نفسه في قلب صراع معقد بعيد عن بلده الأصلي؟ هل كانت العملية نتاج تحول فكري فردي أم بتأثير خارجي؟ وكيف تمكن من تجاوز الإجراءات الأمنية والدخول إلى إسرائيل؟
قصة مأساة شخصية وسياق عالمي
رحلة عبد العزيز قاضي تختزل مزيجًا معقدًا من الفقر، والطموح المحبط، والتضامن مع قضايا الأمة. إنها قصة شاب ضائع بين واقع اجتماعي قاسٍ وآمال فردية، وبين سياق عالمي مشحون بالصراعات السياسية والدينية.
ورغم أن عبد العزيز أصبح محورًا للنقاشات الإعلامية والأمنية، إلا أن قصته تظل رمزًا للتشابك بين المعاناة الشخصية والظروف العالمية، مما يجعلها واحدة من أبرز الحكايات التي أثارت جدلًا واسعًا في الشرق الأوسط.





