علي خامنئي… رجل بلا ظل

سجن مرات عدة وبات رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن ثم مرشداً أعلى

هيئة التحرير19 يونيو 2025Last Update :
علي خامنئي… رجل بلا ظل

الرؤية/هيئة التحرير

 

 

 

 

يحكم خامنئي إيران منذ عام 1989 ويتمتع المرشد الأعلى بصلاحيات تجعل له الكلمة الأخيرة في كافة القرارات العليا في الدولة صنفته مجلة “فوربس” كواحد من أقوى الشخصيات في العالم. ويعتبر آخر ما تبقى من مجموعة روح الله الخميني التي استولت على السلطة بعد عام 1979

تناديه فئة كبيرة من أنصاره بالسيد القائد والولي الفقيه، وهو رأس نظام حكم لا يشبه أي نظام آخر. يستمد حكمه من قدسية منحها مؤسسو النظام له ووضعت في الدستور الذي تغير في عهده بإضافة وصف “المطلق” لمنصبه، ويصبح المنصب “ولاية الفقيه المطلقة”.

يقول الدستور الإيراني أن الحكم لله ومن بعده للرسول فأئمة الشيعة ثم يناط الحكم بولي الفقيه. ومن هنا يصف النظام المعارضين لحكمه بالمحاربين لحكم الله.

رجل بلحية بيضاء وخدين متوردين دوماً، ويد يسرى ترتفع وتهدد، فيما تظهر خواتمه بألوان مختلفة بحسب الصورة. فتعلق الصورة في أذهان الكبار والصغار، وتترسخ لاحقاً مدعمة بأفكار عن الرجل.

 

خطابي تقليدي وهو يتفاعل مع جمهوره، وكلماته لا تبعث الحماسة لدى المشاهد، يختارها بعناية، ويتحدث بوتيرة بطيئة نسبياً. يستعمل كثيراً تعابير مثل “الأعداء” و “الاستكبار العالمي”، و”الهيمنة الغربية”، ويصوّر الصراع بأنه بين الخير (محور المقاومة) والشر (الأنظمة الغربية).

يصف إسرائيل بـ “ورم طفيلي… لا يمكن أن يدوم وسنقتلع جذوره”، ويقول عن الولايات المتحدة، “لا تثقوا بأميركا والناتو… اعتمدوا فقط على الله وثقوا في شعبكم…”.

السيد علي الحسيني الخامنئي والمُرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية منذ 4 يونيو (حزيران) 1989، صاحب خطاب عقائدي، يسعى لصياغة وعي أيديولوجي طويل المدى، يعتمد على: تثبيت مشروعية النظام، بناء عقل جمعي، والحفاظ على هيبة القيادة.

ويفعل ذلك من خلال خطاب جامع بين الدين والسياسة والتاريخ والمظلومية، يوجه غالباً إلى الداخل، ولكن بخطاب يُفهم في سياق إقليمي إسلامي، ويستشهد بالقرآن الكريم، وأبيات من الشعر الفارسي التقليدي.

عادة ما يظهر المرشد علي خامنئي في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، وهو يستقبل ضيوفه جالساً في قاعة استقبال بسيطة على مفروشات قديمة، كأي رجل دين متواضع، وعفيف، وزاهد، كما يصفه شركاؤه في السلطة، باعتباره “أسطورة حية تمشي على قدمين”، وتعيش حياة “العفة والنزاهة”!.

صنفته مجلة “فوربس” كواحد من أقوى الشخصيَّات في العالم. ويعتبر آخر ما تبقى من مجموعة روح الله الخميني التي استولت على السلطة بعد عام 1979. وفي بداية تشكيل نظام “الجمهورية الإسلامية”، كان خامنئي سياسياً مهمشاً وغير بارز، إلا أنه سرعان ما أصبح من الشخصيات المقربة جداً من الخميني بعد القضاء على منافسيه.

وفي نهاية الأمر، استطاع أكبر هاشمي رفسنجاني، ومن خلال خدعته المعروفة التي مررها على مجلس الخبراء، أن يجلس خامنئي على كرسي مرشد النظام.

السجن

سجن خامنئي مرات عدة، منها مع سجين سياسي يساري ومع ناشط أرمني شيوعي ينتمي لحزب “تودة” وسجناء أحوازيين كانوا يسعون إلى استقلال عربستان.

ويقول خامنئي في مذكراته “إن السجين محيي الدين آل ناصر كان يعلمه الإنجليزية في سجن قزل في طهران أوائل الستينيات من القرن الماضي، وتعرف على الشعر الشعبي الأحوازي من سجين آخر اسمه سيد باقر النزاري، وقد أصدرت سلطات نظام الشاه حكم الإعدام بحق محيي الدين آل ناصر وعيسى المذخور ودهراب أشميل الذين كانوا معتقلين مع خامنئي بتهمة تأسيس تنظيم يعرف باسم “حركة تحرير عربستان”، ونفذ حكم الإعدام بحقهم في مدينة الأحواز عام 1964.

ونفى الأمن خامنئي إلى محافظة بلوشستان التي تقطنها غالبية سنية أواخر عام 1977، حيث تمتع هناك باستضافة الشعب البلوشي الذي احتضنه ودعمه عاطفياً ومعنوياً، وفق ذكرياته التي نشرها على موقعه.

ويكتب الصحافي والناقد السينمائي هوشنك أسدي الذي كان معتقلاً مع خامنئي في زنزانة واحدة زمن الشاه، “أنه كان نحيفاً مرحاً ثرثاراً يمقت بعض الروائيين الإيرانيين الذين ينعتهم بالعبثيين، ويحبذ الشاعرين الخراسانيين أخوان ثالث وشفيعي كدكني”.

ويذكر أسدي في مذكراته “أن خامنئي قال له ذات مرة في السجن الانفرادي إنه إذا وصل الإسلام إلى السلطة فلن تذرف عيون المظلومين الدموع”، وأخبرني مُنظّر الحركة الإصلاحية سعيد حجاريان الذي كان نائباً لوزارة الاستخبارات الإيرانية في فترة رئاسة خامنئي للبلاد، “أنه ذات مرة دخل عليه في مكتبه الرئاسي ورآه يقرأ كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني بالعربية”.

بات وحيداً

منذ توليه الحكم في ثمانينيات القرن الماضي، عمد بمساعدة الحرس الثوري، إلى تشكيل أذرع لإيران في المنطقة، تحارب وتدافع عنها بالوكالة. لكن منذ أن هاجمت “حماس” المدعومة من طهران إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بدأ نفوذ خامنئي الإقليمي يضعف مع توجيه تل أبيب ضربات موجعة للجماعات المتحالفة مع طهران في المنطقة، من “حماس” في غزة إلى “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن وفصائل شيعية في العراق. كما أطيح بالرئيس السوري بشار الأسد، حليف إيران الوثيق، نهاية 2024.

ومع سلسلة الاغتيالات الطويلة التي تنفذها تل أبيب، يبدو أن الرجل بات وحيداً بعدما قضت إسرائيل على كل قيادات الصف الأول في “حماس” و”حزب الله” و”الحرس الثوري”.

تجاوز المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خلال العقود الثلاثة الأخيرة سلسلة من التحديات، إلا أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة غير المسبوقة قد تكون أكثر هذه الأزمات خطورة على استمرار الجمهورية الإسلامية وعلى سلامته الشخصية. ولا أحد يعرف حالياً أين يتواجد، علماً أن مكان إقامته لطالما كان معروفاً إلى جانب القصر الرئاسي في طهران.

منذ أن خلف الخميني بعد وفاته عام 1989، قاد خامنئي إيران عبر عقوبات شديدة وتوتر شبه متواصل مع العالم، كما واجه احتجاجات قوبلت بقمع شديد، وكان آخرها الحراك “امرأة، حياة، حرية” في 2022-2023.

خلال فترة رئاسته للجمهورية (من 1981 إلى 1989)، قام بما لا يقل عن 15 زيارة رسمية إلى الخارج. شملت هذه الرحلات دولاً مثل سوريا، ليبيا، الجزائر، تنزانيا، زيمبابوي، أنغولا، موزمبيق، يوغوسلافيا، رومانيا، الصين، كوريا الشمالية، باكستان، الهند، والولايات المتحدة (حيث ألقى كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك).

كما أدى مناسك الحج عام 1979. ومنذ تعيينه مرشداً أعلى عام 1989، لم يسجل له أي سفر رسمي خارج إيران، أو أقله لم يُعلن عن ذلك بشكل علني.

أمضى آية الله علي خامنئي ما يقرب من أربعة عقود كزعيم أعلى لإيران في بناء قوة إقليمية شيعية تنافس الدول السنية وتعادي الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة، بينما يسحق الاضطرابات المتكررة في الداخل.

 

 

قوبل خامنئي بالرفض في البداية باعتباره ضعيفاً وخليفة غير محتمل لمؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل، آية الله روح الله الخميني صاحب الحضور الطاغي، إلا أنه أحكم قبضته بثبات ليصبح صانع القرار في إيران بلا منازع.

لم يكن خامنئي نال لقب آية الله في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين عاش في ظل معلمه الخميني. وأسس جهازاً أمنياً هائلاً لبسط سلطته في سعيه لفرض سلطته الدينية.

وهيمن على الرؤساء المنتخبين المتعاقبين للبلاد، وروج للتكنولوجيا النووية التي أثارت قلق المنطقة المحيطة.

تنازلات خامنئي

يحكم خامنئي (86 سنة) إيران منذ عام 1989، يتمتع المرشد الأعلى بصلاحيات تجعل له الكلمة الأخيرة في كافة القرارات العليا في الدولة. وعلى رغم أن المسؤولين المنتخبين يديرون الشؤون اليومية، لا تمضي البلاد في أي سياسة رئيسية ولا سيما تلك المتعلقة بالولايات المتحدة من دون موافقته الصريحة.

ويمزج خامنئي في أسلوبه للقيادة بين الصرامة الأيديولوجية والنهج العملي الاستراتيجي. ويبدي تشككاً كبيراً في الغرب، بخاصة في الولايات المتحدة، التي يتهمها بالسعي إلى تغيير النظام لكنه يبدي استعداداً للتنازل عندما يكون مصير الجمهورية الإسلامية على المحك.

ويسمح مفهوم “المرونة البطولية”، الذي تحدث عنه خامنئي للمرة الأولى عام 2013، بتنازلات محسوبة بعناية لتحقيق أهدافه في محاكاة لقرار الخميني عام 1988 قبول وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق بعد ثماني سنوات من اندلاعها.

كان تأييد خامنئي الحذر للاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبرمته إيران مع ست قوى عالمية لحظة أخرى من هذا القبيل لأنه رأى أن تخفيف العقوبات ضروري لاستقرار الاقتصاد وتعزيز قبضته على السلطة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.