الرؤية/ليلى ابكير
في 8 مارس من كل عام، يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، ذلك اليوم الذي يُكرم فيه نضال النساء من أجل حقوقهن ويُحتفى بإنجازاتهن في مختلف المجالات. ولكن وراء هذا اليوم الذي أصبح جزءًا من تاريخ النضال النسوي، تقف قصة امرأة تُعتبر واحدة من أبرز مؤسسي هذا اليوم التاريخي. إنها تيريزا مالكيل، التي ألهمت العالم بعزيمتها ونضالها المستمر من أجل حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية.
تيريزا مالكيل، التي ولدت في روسيا وعاشت طفولة قاسية مليئة بالصعوبات، هربت مع عائلتها إلى نيويورك في عام 1891. كانت في السابعة عشرة من عمرها، وبالرغم من أن حياة المهاجرين في تلك الفترة كانت صعبة، فإن مالكيل لم تكن من أولئك الذين استسلموا لظروفهم. سرعان ما وجدت نفسها في العمل في مصنع للملابس، حيث كانت الأوضاع في غاية القسوة. لكن ما جعل مالكيل تبرز بين غيرها هو أنها لم تكتفِ فقط بتقبل الواقع، بل قررت أن تقاتل من أجل تغيير هذا الواقع المظلم.
توجهت مالكيل إلى العمل التنظيمي والتوعوي من أجل حقوق العاملات، وركزت على النضال من أجل تحسين ظروف العمل للنساء، وخاصة المهاجرات. كانت تؤمن أن النساء يجب أن يتحدن في وجه الظلم، وأن التضامن بينهن هو السبيل لتحقيق العدالة. وأدركت في وقت مبكر أن التغيير لا يأتي من خلال التظلمات فقط، بل من خلال العمل الجماعي والتنظيم السليم الذي يهدف إلى إبراز معاناة النساء وتوجيه الأنظار إلى قضاياهن.
من خلال كتاباتها ومنشوراتها الصحفية، تمكنت مالكيل من توثيق تجارب العمال في مصانع الملابس، وأصبحت صوتًا قويًا يعبر عن واقع النساء العاملات في ذلك الوقت. في عام 1910، نشرت روايتها الشهيرة “مذكرات عاملة ملابس مُضربة”، التي سلطت الضوء على شجاعة العاملات في الإضرابات التي خاضوها من أجل حقوقهن. كان هذا الكتاب بمثابة دعوة للوعي المجتمعي حول أهمية تحسين ظروف العمل ورفع مستوى الوعي بحقوق النساء.
وفي خطوة رائدة في ذلك الوقت، نظمت مالكيل أول “يوم للمرأة” في فبراير 1909 في نيويورك، حيث تجمع الآلاف من النساء لتأكيد مطالبهن في المساواة والحقوق المدنية. كان هذا الحدث بداية لاحتفال عالمي أصبح اليوم جزءًا لا يتجزأ من التاريخ النسوي.
ومع مرور الزمن، لم تنحسر شجاعة تيريزا مالكيل على النضال من أجل حقوق العمل فقط، بل وسعت رؤيتها لتشمل كافة القضايا التي تخص المرأة في المجتمع، من حقوق التصويت إلى الحق في التعليم. وبذلك، كانت مالكيل من أوائل النساء اللواتي ساعدن في إشعال فتيل الحركات النسوية الحديثة.
تظل تيريزا مالكيل مثالًا حقيقيًا للمرأة الثائرة التي أطلقت شرارة التغيير. لقد ألهمت ملايين النساء في جميع أنحاء العالم للنضال من أجل حقوقهن. لذلك، عندما نحتفل بيوم المرأة العالمي في 8 مارس، فإننا نحتفل بتضحيات ونضال نساء مثل تيريزا مالكيل اللواتي كان لهن الفضل في رسم ملامح هذا اليوم الذي يخلد في ذاكرة الجميع.





