الرؤية/مريم عتام
صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية على مشروع قانون جديد يمنع المكالمات التسويقية الهاتفية دون الحصول على موافقة مسبقة من المستهلك، في خطوة تهدد نشاط مراكز النداء المغربية، التي تعتمد بشكل كبير على السوق الفرنسية وتشكل هذه الأنشطة 20% من مداخيلها. ويهدف هذا التشريع إلى الانتقال من نظام “الاشتراك الضمني” (opt-out) إلى “الاشتراك المسبق” (opt-in)، مما يجعل عملية التسويق عبر الهاتف أكثر تعقيدًا للفاعلين المغاربة في هذا القطاع الحيوي.
جاء هذا القرار استجابةً لحالة الاستياء الواسعة لدى الفرنسيين من المكالمات الهاتفية المتكررة، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة UFC-Que Choisir أن 97% من المستجوبين منزعجون منها. ويضع القانون الجديد مراكز النداء المغربية، خاصة الصغيرة منها، أمام تحديات كبرى للتكيف مع هذه البيئة التنظيمية الصارمة.
تغيير تشريعي يهدد آلاف الوظائف
يعتمد النظام الحالي في فرنسا على “الانسحاب”، حيث يمكن للمستهلكين تسجيل أسمائهم في قائمة لمنع تلقي المكالمات التجارية. لكن بموجب النظام الجديد، لن يُسمح للشركات بإجراء مكالمات تسويقية إلا بعد الحصول على موافقة صريحة من المستهلك، ما سيؤدي إلى انخفاض كبير في عدد الزبائن المحتملين ويجبر مراكز النداء على إعادة النظر في نموذجها الاقتصادي.
خليل الخباط، محلل الأسواق التجارية، أكد أن هذا التحول يشكل تحديًا جوهريًا لقطاع مراكز النداء في المغرب، الذي يوفر أكثر من 100 ألف وظيفة، ويساهم بحوالي 14 مليار درهم سنويًا. وأوضح أن “هذا الإجراء قد يؤدي إلى فقدان آلاف الوظائف ما لم يتم تبني استراتيجيات بديلة، مثل تنويع الأسواق المستهدفة والتوسع نحو بلدان ناطقة بالفرنسية كبلجيكا وكندا، مع الاستثمار في تطوير خدمات ذات قيمة مضافة”.
مواجهة الذكاء الاصطناعي والعمل الحر
إلى جانب التحديات التشريعية، يواجه القطاع أيضًا ثورة الذكاء الاصطناعي، التي يُنظر إليها أحيانًا كمنافس، لكنها تقدم أيضًا فرصة لإعادة ابتكار الخدمات. فالتشغيل الآلي للمهام الروتينية يتيح للمكلفين بخدمة الزبائن التركيز على الاستشارات الشخصية، مما يعزز الإنتاجية ويخفف من عبء العمل.
محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي، أوضح أن “توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل ذكي يساعد على تحسين الكفاءة التشغيلية دون التأثير السلبي على العاملين، شرط إيجاد توازن بين تبني التكنولوجيا والحفاظ على فرص الشغل”.
كما حذّر من تحدٍ آخر يتمثل في ظاهرة العمل الحر، التي رغم محدوديتها في المغرب، توفر مرونة لكنها تطرح إشكاليات تتعلق بجودة الخدمة والتدريب المهني، مشددًا على أن عقود العمل المفتوحة (CDI) تبقى الحل الأمثل لضمان الاستقرار والجودة في القطاع.
نحو مستقبل اكثر استدامة
في ظل هذه التحديات المتسارعة، يبقى الحل أمام قطاع مراكز النداء المغربية هو تنويع الأسواق، تعزيز جودة الخدمات، الاستثمار في الكفاءات البشرية، وتبني أحدث التقنيات الرقمية، بما يضمن استمرارية القطاع ويعزز تنافسيته على الصعيد الدولي.فرنسا تحظر المكالمات التسويقية دون موافقة مسبقة: تهديد جديد لمراكز النداء المغربية





