التنمر الإلكتروني:كيفية مكافحته في العصر الرقمي

هيئة التحرير2 فبراير 2025Last Update :
التنمر الإلكتروني:كيفية مكافحته في العصر الرقمي

الرؤية/ليلى ابكير

 

في السنوات الأخيرة، أصبح التنمّر الإلكتروني أحد أكثر القضايا إثارة للقلق في مجتمعاتنا الحديثة، حيث شهدنا تحولًا في طبيعة التنمّر من الظواهر التقليدية في المدارس إلى بيئات جديدة على الإنترنت. لم يعد التنمّر يقتصر على الفصول الدراسية أو ساحات المدارس، بل امتد ليشمل فضاءً افتراضيًا مليئًا بالتحديات والتهديدات التي تؤثر في الأطفال والمراهقين على حد سواء. بل إنّ هذا النوع من التنمّر قد يتجاوز في بعض الأحيان سلوكيات الإزعاج البسيط ليصل إلى درجة الجريمة الإلكترونية.

يُعرَّف التنمّر الإلكتروني على أنه استخدام الإنترنت أو الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والحواسيب للتهديد أو الإساءة إلى الآخرين. قد يتخذ هذا التنمّر العديد من الأشكال التي تتراوح بين إرسال رسائل تهديد، أو نشر أكاذيب، أو حتى اختراق حسابات المستخدمين لسرقة هويتهم الشخصية أو نشر معلومات مغلوطة بهدف تشويه سمعتهم. ولأن التنمّر الإلكتروني لا يتطلب التفاعل وجهًا لوجه، فقد أصبح أكثر صعوبة في تتبعه وعقابه.

وتتنوع أساليب التنمّر الإلكتروني بشكل كبير. يمكن أن يتجلى في إرسال رسائل نصية تهديدية أو تعبيرات مهينة عبر البريد الإلكتروني. كما قد يصل الأمر إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر صور أو رسائل محرجة، أو حتى إنشاء مواقع إلكترونية تهدف إلى إذلال الضحية. علاوة على ذلك، يتفاوت التنمّر الإلكتروني بين الذكور والإناث، ففي حين يميل المتنمّرون الذكور إلى تهديد الآخرين بالعنف الجسدي، وتفضّل الفتيات في بعض الأحيان نشر الشائعات والأكاذيب للإضرار بالآخرين.

وتترتب على التنمّر الإلكتروني آثار نفسية وجسدية عميقة على الضحايا. يبدأ التأثير النفسي عادةً بمشاعر القلق والاكتئاب، وقد يؤدي إلى تدهور في احترام الذات، ما يسبب في بعض الأحيان انعزال الضحية عن محيطه الاجتماعي. في الحالات الأكثر حدة، قد يُفضي التنمّر الإلكتروني إلى مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك التفكير في الانتحار. نظرًا لأن هذه الإساءة تتم عبر الإنترنت، فإن الآثار تكون أكثر انتشارًا، حيث يمكن أن تصل الصور أو الرسائل المسيئة إلى عدد غير محدود من الأشخاص، ما يجعل الضرر النفسي أكبر وأعمق.

على الرغم من أن قوانين مكافحة التنمّر الإلكتروني لا تزال قيد التطوير في العديد من البلدان ومن بينهم المغرب إلا أن القضاء استطاع ان يكييف الوقائع المعروضة عليه وفقًا لنصوص قانونية متفرقة. حيث صنف هذه الأفعال تحت جرائم مثل السب والقذف والتهديد والابتزاز والجرائم الإلكترونية والتحرش الجنسي.بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018، إطارًا قانونيًا شاملاً يهدف إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، بما في ذلك العنف الرقمي.و يرتكز هذا القانون على أربعة أبعاد: الوقاية، الحماية، عدم الإفلات من العقاب، والتكفل الجيد بالضحايا.

الوقاية من التنمّر الإلكتروني تتطلب تعاونًا بين الآباء والمعلمين والمجتمع بشكل عام. من خلال مراقبة الأنشطة الرقمية للأطفال والتأكد من الأشخاص الذين يتواصلون معهم على الإنترنت، يمكن للأسر توفير حماية أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام برامج أمان الإنترنت لحظر الوصول إلى محتوى غير مناسب. أهم خطوة يمكن اتخاذها هي التحدث مع الأطفال حول مخاطر التنمّر الإلكتروني، وتوضيح لهم أنه ليس هناك عيب في طلب المساعدة من شخص بالغ موثوق عند مواجهة هذا النوع من الإساءة. كلما أسرع الطفل في التحدث عن الأمر، كلما كان التدخل أسرع وأكثر فعالية.

وفي عصر الإنترنت والتكنولوجيا، أصبح التنمّر الإلكتروني مشكلة معقدة تتطلب استجابة جماعية لحماية الأجيال القادمة.

ينبغي أن يتحمل كل من الآباء والمدارس والمجتمع مسؤولياتهم في تثقيف الشباب وتوعيتهم بالمخاطر التي قد يواجهونها عبر الإنترنت، لضمان بيئة رقمية آمنة ومستدامة تتيح للجميع التفاعل بأمان واحترام.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.